فصل: تفسير الآيات (71- 82):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (71- 82):

{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)}
قوله: {فانطلقا} أي: موسى والخضر على ساحل البحر يطلبان السفينة، فمرّت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فحملوهم {حَتَّى إِذَا رَكِبَا في السفينة خَرَقَهَا} قيل: قلع لوحاً من ألواحها، وقيل: لوحين مما يلي الماء، وقيل: خرق جدار السفينة ليعيبها ولا يتسارع الغرق إلى أهلها {قَالَ} موسى: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} أي: لقد أتيت أمراً عظيماً، يقال: أمر الأمر إذا كبر، والأمر الاسم منه.
وقال أبو عبيدة: الأمر: الداهية العظيمة وأنشد:
قد لقي الأقران مني نكرا ** داهية دهياً وأمراً إمرا

وقال القتيبي: الأمر العجب.
وقال الأخفش: أمر أمره يأمر إذا اشتد، والاسم الأمر. قرأ حمزة والكسائي {ليغرق أهلها} بالياء التحتية المفتوحة، ورفع {أهلها} على أنه فاعل، وقرأ الباقون بالفوقية المضمومة ونصب {أهلها} على المفعولية {قَالَ} أي: الخضر {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً} أذكره ما تقدم من قوله له سابقاً {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً} [الكهف: 67] ف {قَالَ} له موسى {لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ} يحتمل أن تكون {ما} مصدرية، أي: لا تؤاخذني بنسياني أو موصولة، أي: لا تؤاخذني بالذي نسيته، وهو قول الخضر {فَلاَ تَسْأَلْنى عَن شَئ حتى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} فالنسيان إما على حقيقته على تقدير أن موسى نسي ذلك، أو بمعنى: الترك على تقدير أنه لم ينس ما قاله له، ولكنه ترك العمل به {وَلاَ تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْراً} قال أبو زيد: أرهقته عسراً إذا كلفته ذلك، والمعنى: عاملني باليسر لا بالعسر. وقرئ: {عسراً} بضمتين. {فانطلقا حتى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ} أي: الخضر، ولفظ الغلام يتناول الشاب البالغ كما يتناول الصغير، قيل: كان الغلام يلعب مع الصبيان فاقتلع الخضر رأسه {قَالَ} موسى {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زكية بِغَيْرِ نَفْسٍ} قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر، وأويس بألف بعد الزاي وتخفيف الياء اسم فاعل. وقرأ الباقون بتشديد الياء من دون ألف، الزاكية: البريئة من الذنوب. قال أبو عمرو: الزاكية: التي لم تذنب، والزكية: التي أذنبت ثم تابت.
وقال الكسائي: الزاكية والزكية لغتان.
وقال الفراء: الزاكية والزكية: مثل القاسية والقسية، ومعنى {بِغَيْرِ نَفْسٍ}: بغير قتل نفس محرّمة حتى يكون قتل هذه قصاصاً {لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً} أي: فظيعاً منكراً لا يعرف في الشرع. قيل: معناه: أنكر من الأمر الأوّل لكون القتل لا يمكن تداركه، بخلاف نزع اللوح من السفينة فإنه يمكن تداركه بإرجاعه، وقيل: النكر أقلّ من الإمر، لأن قتل نفس واحدة أهون من إغراق أهل السفينة.
قيل: استبعد موسى أن يقتل نفساً بغير نفس، ولم يتأول للخضر بأنه يحلّ القتل بأسباب أخرى {قَالَ} الخضر {أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً} زاد هنا لفظ {لك}، لأن سبب العتاب أكثر، وموجبه أقوى، وقيل: زاد لفظ {لك} لقصد التأكيد كما تقول لمن توبخه: لك أقول وإياك أعني {قَالَ} موسى {إِن سَأَلْتُكَ عَن شَئ بَعْدَهَا} أي: بعد هذه المرة، أو بعد هذه النفس المقتولة {فَلاَ تُصَاحِبْنِى} أي: لا تجعلني صاحباً لك، نهاه عن مصاحبته مع حرصه على التعلم لظهور عذره، ولذا قال: {قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنّى عُذْراً} يريد أنك قد أعذرت حيث خالفتك ثلاث مرّات، وهذا كلام نادم شديد الندامة، اضطره الحال إلى الاعتراف وسلوك سبيل الإنصاف. قرأ الأعرج {تصحبني} بفتح التاء والباء وتشديد النون. وقرأ الجمهور {تصاحبني} وقرأ يعقوب {تصحبني} بضم التاء وكسر الحاء، ورواها سهل عن أبي عمرو. قال الكسائي: معناه لا تتركني أصحبك. وقرأ الجمهور {لدني} بضم الدال إلا أن نافعاً وعاصماً خففا النون، وشددها الباقون. وقرأ أبو بكر عن عاصم {لدني} بضم اللام وسكون الدال. قال ابن مجاهد: وهي غلط. قال أبو عليّ: هذا التغليط لعله من جهة الرواية، فأما على قياس العربية فصحيحة. وقرأ الجمهور {عذراً} بسكون الذال. وقرأ عيسى بن عمر بضم الذال.
وحكى الداني أن أبيا روى عن النبيّ بكسر الراء وياء بعدها بإضافة العذر إلى نفسه. {فانطلقا حتى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} قيل: هي أيلة؛ وقيل: أنطاكية؛ وقيل: برقة؛ وقيل: قرية من قرى أذربيجان؛ وقيل: قرية من قرى الروم {استطعما أَهْلَهَا} هذه الجملة في محل الجر على أنها صفة لقرية، ووضع الظاهر موضع المضمر لزيادة التأكيد، أو لكراهة اجتماع الضميرين في هذه الكلمة لما فيه من الكلفة، أو لزيادة التشنيع على أهل القرية بإظهارهم {فَأَبَوْاْ أَن يُضَيّفُوهُمَا} أي: أبوا أن يعطوهما ما هو حق واجب عليهم من ضيافتهما، فمن استدل بهذه الآية على جواز السؤال وحلّ الكدية فقد أخطأ خطأً بيناً، ومن ذلك قول بعض الأدباء الذين يسألون الناس:
فإن رددت فما في الرد منقصة ** عليّ قد ردّ موسى قبل والخضر

وقد ثبت في السنّة تحريم السؤال بما لا يمكن دفعه من الأحاديث الصحيحة الكثيرة {فَوَجَدَا فِيهَا} أي: في القرية {جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} إسناد الإرادة إلى الجدار مجاز. قال الزجاج: الجدار لا يريد إرادة حقيقية إلا أن هيئة السقوط قد ظهرت فيه كما تظهر أفعال المريدين القاصدين فوصف بالإرادة، ومنه قول الراعي:
في مهمه فلقت به هاماتها ** فلق الفؤوس إذا أردن نصولا

ومعنى الانقضاض: السقوط بسرعة، يقال: انقضّ الحائط إذا وقع، وانقض الطائر إذا هوى من طيرانه فسقط على شيء، ومعنى {فأقامه}: فسوّاه، لأنه وجده مائلاً فردّه كما كان؛ وقيل: نقضه وبناه؛ وقيل: أقامه بعمود.
وقد تقدّم في الحديث الصحيح أنه مسحه بيده {قَالَ} موسى {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} أي: على إقامته وإصلاحه، تحريضاً من موسى للخضر على أخذ الأجر. قال الفراء: معناه لو شئت لم تقمه حتى يقرونا فهو الأجر، قرأ أبو عمرو، ويعقوب، وابن كثير، وابن محيصن، واليزيدي، والحسن {لتخذت} يقال: تخذ فلان يتخذ تخذاً مثل: اتخذ. وقرأ الباقون {لاتخذت}. {قَالَ} الخضر {هذا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ} على إضافة {فراق} إلى الظرف اتساعاً، أي: هذا الكلام والإنكار منك على ترك الأجر هو المفرق بيننا. قال الزجاج: المعنى: هذا فراق بيننا، أي: هذا فراق اتصالنا، وكرّر {بين} تأكيداً، ولما قال الخضر لموسى بهذا، أخذ في بيان الوجه الذي فعل بسببه تلك الأفعال التي أنكرها موسى فقال: {سَأُنَبّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً} والتأويل: رجوع الشيء إلى مآله. ثم شرع في البيان له فقال: {أَمَّا السفينة} يعني: التي خرقها {فَكَانَتْ لمساكين} لضعفاء لا يقدرون على دفع من أراد ظلمهم {يَعْمَلُونَ في البحر} ولم يكن لهم مال غير تلك السفينة يكرونها من الذين يركبون البحر ويأخذون الأجرة، وقد استدل الشافعي بهذه الآية على أن الفقير أسوأ حالاً من المسكين {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} أي: أجعلها ذات عيب بنزع ما نزعته منها {وَكَانَ ورائهم ملك} قال المفسرون: يعني أمامهم، ووراء يكون بمعنى: أمام، وقد مرّ الكلام على هذا في قوله: {وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم: 17]. وقيل: أراد خلفهم، وكان طريقهم في الرجوع عليه، وما كان عندهم خبر بأنه {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} أي: كل سفينة صالحة لا معيبة، وقد قرئ بزيادة {صالحة}، روي ذلك عن أبيّ وابن عباس. وقرأ جماعة بتشديد السين من مساكين، واختلف في معناها، فقيل: هم ملاحو السفينة، وذلك أن المساك هو الذي يمسك السفينة، والأظهر قراءة الجمهور بالتخفيف. {وَأَمَّا الغلام} يعني: الذي قتله {فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} أي: ولم يكن هو كذلك {فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا} أي: يرهق الغلام أبويه، يقال: رهقه أي: غشيه، وأرهقه أغشاه. قال المفسرون: معناه خشينا أن يحملهما حبه على أن يتبعاه في دينه، وهو الكفر، و{طُغْيَانًا} مفعول يرهقهما {وَكُفْراً} معطوف عليه، وقيل: المعنى: فخشينا أن يرهق الوالدين طغياناً عليهما وكفراً لنعمتهما بعقوقه. قيل: ويجوز أن يكون {فخشينا} من كلام الله، ويكون المعنى: كرهنا كراهة من خشي سوء عاقبة أمره فغيره، وهذا ضعيف جدّاً، فالكلام كلام الخضر.
وقد استشكل بعض أهل العلم قتل الخضر لهذا الغلام بهذه العلة، فقيل: إنه كان بالغاً وقد استحق ذلك بكفره؛ وقيل: كان يقطع الطريق فاستحق القتل لذلك، ويكون معنى {فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً}: أن الخضر خاف على الأبوين أن يذبا عنه ويتعصبا له فيقعا في المعصية، وقد يؤدّي ذلك إلى الكفر والارتداد.
والحاصل أنه لا إشكال في قتل الخضر له إذا كان بالغاً كافراً أو قاطعاً للطريق هذا فيما تقتضيه الشريعة الإسلامية، ويمكن أن يكون للخضر شريعة من عند الله سبحانه تسوّغ له ذلك، وأما إذا كان الغلام صبياً غير بالغ، فقيل: إن الخضر علم بإعلام الله له أنه لو صار بالغاً لكان كافراً يتسبب عن كفره إضلال أبويه وكفرهما، وهذا وإن كان ظاهر الشريعة الإسلامية يأباه، فإن قتل من لا ذنب له ولا قد جرى عليه قلم التكليف لخشية أن يقع منه بعد بلوغه ما يجوز به قتله لا يحلّ في الشريعة المحمدية، ولكنه حلّ في شريعة أخرى، فلا إشكال.
وقد ذهب الجمهور إلى أن الخضر كان نبياً {فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مّنْهُ} قرأ الجمهور بفتح الباء الموحدة وتشديد الدال. وقرأ عاصم وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب بسكون الباء وتخفيف الدال، والمعنى: أردنا أن يرزقهما الله بدل هذا الولد ولداً خيراً منه {زكواة} أي: ديناً وصلاحاً وطهارة من الذنوب {وَأَقْرَبَ رُحْماً} قرأ ابن عباس، وحمزة، والكسائي، وابن كثير، وابن عامر {رحماً} بضم الحاء. وقرأ الباقون بسكونها، ومعنى الرحم: الرحمة، يقال: رحمه الله رحمة ورحمى، والألف للتأنيث. {وَأَمَّا الجدار} يعني: الذي أصلحه {فَكَانَ لغلامين يَتِيمَيْنِ في المدينة} هي القرية المذكورة سابقاً، وفيه جواز إطلاق اسم المدينة على القرية لغة {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} قيل: كان مالاً جسيماً كما يفيده اسم الكنز، إذ هو المال المجموع. قال الزجاج: المعروف في اللغة أن الكنز إذا أفرد فمعناه: المال المدفون، فإذا لم يكن مالاً قيل: كنز علم وكنز فهم؛ وقيل: لوح من ذهب، وقيل: صحف مكتوبة {وَكَانَ أَبُوهُمَا صالحا} فكان صلاحه مقتضياً لرعاية ولديه وحفظ مالهما، قيل: هو الذي دفنه؛ وقيل: هو الأب السابع من عند الدافن له، وقيل: العاشر {فَأَرَادَ رَبُّكَ} أي: مالكك ومدبر أمرك، وأضاف الرب إلى ضمير موسى تشريفاً له {أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} أي: كمالهما وتمام نموّهما {وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا} من ذلك الموضع الذي عليه الجدار، ولو انقضّ لخرج الكنز من تحته {رَحْمَةً مّن رَّبّكَ} لهما، وهو مصدر في موضع الحال أي: مرحومين من الله سبحانه: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى} أي: عن اجتهادي ورأيي، وهو تأكيد لما قبله، فقد علم بقوله فأراد ربك أنه لم يفعله الخضر عن أمر نفسه {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً} أي: ذلك المذكور من تلك البيانات التي بينتها لك وأوضحت وجوهها تأويل ما ضاق صبرك عنه ولم تطق السكوت عليه، ومعنى التأويل هنا: هو المآل الذي آلت إليه تلك الأمور، وهو اتضاح ما كان مشتبهاً على موسى وظهور وجهه، وحذف التاء من {تسطع} تخفيفاً.
وقد أخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} يقول: نكراً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {إِمْراً} قال: عجباً.
وأخرج ابن جرير، عن أبيّ بن كعب في قوله: {لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ} قال: لم ينس، ولكنها من معاريض الكلام.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن أبي العالية قال: كان الخضر عبداً لا تراه الأعين، إلا من أراد الله أن يريه إياه، فلم يره من القوم إلا موسى، ولو رآه القوم لحالوا بينه وبين خرق السفينة وبين قتل الغلام. وأقول: ينبغي أن ينظر من أين له هذا؟ فإن لم يكن مستنده إلا قوله: ولو رآه القوم إلخ، فليس ذلك بموجب لما ذكره، أما أوّلاً: فإن من الجائز أن يفعل ذلك من غير أن يراه أهل السفينة وأهل الغلام، لا لكونه لا تراه الأعين، بل لكونه فعل ذلك من غير اطلاعهم. وأما ثانياً: فيمكن أن أهل السفينة وأهل الغلام قد عرفوه وعرفوا أنه لا يفعل ذلك إلا بأمر من الله كما يفعل الأنبياء، فسلموا لأمر الله.
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس في قوله: {نَفْساً زكية} قال: مسلمة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، قال: لم تبلغ الخطايا.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، عن الحسن نحوه.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {شَيْئاً نُّكْراً} قال: النكر أنكر من العجب.
وأخرج أحمد، عن عطاء قال: كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن قتل الصبيان، فكتب إليه: إن كنت الخضر تعرف الكافر من المؤمن فاقتلهم. وزاد ابن أبي شيبة من طريق أخرى عنه: ولكنك لا تعلم، قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلهم فاعتزلهم.
وأخرج مسلم، وأبو داود، والترمذي، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وابن مردويه، عن أبيّ بن كعب، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافراً، ولو أدرك لأرهق أبويه طغياناً وكفراً».
وأخرج أبو داود، والترمذي، وعبد الله بن أحمد والبزار، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، عن أبيّ؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ: {مِن لَّدُنّى عُذْراً} مثقلة.
وأخرج ابن مردويه عن أبيّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ: {أَن يُضَيّفُوهُمَا} مشدّدة.
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف، وابن مردويه عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فهدمه ثم قعد يبنيه} قلت: ورواية الصحيحين التي قدّمناها أنه مسحه بيده أولى.
وأخرج الفريابي في معجمه، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبيّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ: {لَوْ شِئْتَ لتخذت عَلَيْهِ أَجْر} مخففة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن ابن عباس، عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحمة الله علينا وعلى موسى. لو صبر لقصّ الله علينا من خبره، ولكن قَال: {إِن سَأَلْتُكَ عَن شَئ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِى}».
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ: {وَكَانَ مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً}.
وأخرج ابن الأنباري، عن أبيّ بن كعب أنه قرأها كذلك.
وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، عن أبي الزاهرية قال: كتب عثمان {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً}.
وأخرج أبو عبيد، وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، عن ابن عباس أنه كان يقرأ: {وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن قتادة قال: هي في مصحف عبد الله {فخاف ربك أن يرهقهما طغياناً وكفراً}.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {خَيْراً مّنْهُ زكواة} قال: ديناً {وَأَقْرَبَ رُحْماً} قال: مودّة، فأبدلا جارية ولدت نبياً.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} قال: كان الكنز لمن قبلنا وحرّم علينا، وحرّمت الغنيمة على من كان قبلنا وأحلت لنا، فلا يعجبنّ الرجل، فيقول: فما شأن الكنز، أحلّ لمن قبلنا وحرّم علينا؟ فإن الله يحلّ من أمره ما يشاء ويحرّم ما يشاء، وهي السنن والفرائض، يحلّ لأمة ويحرّم على أخرى.
وأخرج البخاري في تاريخه، والترمذي وحسنه، والبزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي الدرداء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} قال: «ذهب وفضة».
وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء في قوله: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} قال: أحلت لهم الكنوز وحرّمت عليهم الغنائم، وأحلّت لنا الغنائم وحرّمت علينا الكنوز.
وأخرج البزار، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي ذر رفعه قال: إن الكنز الذي ذكره الله في كتابه لوح من ذهب مصمت فيه: عجبت لمن أيقن بالقدر ثم نصب، وعجبت لمن ذكر النار ثم ضحك، وعجبت لمن ذكر الموت ثم غفل، لا إله إلا الله محمد رسول الله. وفي نحو هذا روايات كثيرة لا تتعلق بذكرها فائدة.
وأخرج ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وأحمد في الزهد، والحميدي في مسنده، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، عن ابن عباس في قوله: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صالحا} قال: حفظاً بصلاح أبيهما.
وأخرج ابن مردويه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عزّ وجلّ يصلح بصلاح الرجل الصالح، ولده، وولد ولده، وأهل دويرته وأهل دويرات حوله، فما يزالون في حفظ الله تعالى ما دام فيهم».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إن الله يصلح بصلاح الرجل ولده، وولد ولده، ويحفظه في دويرته، والدويرات حوله، فما يزالون في ستر من الله وعافية.
وأخرج ابن جرير من طريق الحسن بن عمارة عن أبيه قال: قيل لابن عباس: لم نسمع لفتى موسى بذكر وقد كان معه؟ فقال ابن عباس: قال فيما يذكر من حديث الفتى: إنه شرب من الماء فخلد، فأخذه العالم فطابق به سفينة ثم أرسله في البحر، فإنها لتموج به إلى يوم القيامة، وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه. قال ابن كثير: إسناده ضعيف، الحسن متروك وأبوه غير معروف.